لقد طبع ابن بطوطة الرحلة في القرن الرابع عشر( الثامن هجري) بشخصيته القوية النابضة المتطلعة إلي كل ما حوله بشوق دائم.. حيث قضي ثمانية وعشرين عاما يذرع شرق الأرض وغربها حين بدأ رحلته من طنجة وسار إلي مصر بطريق شمال أفريقيا, ثم زار الشام وأتم الحج وتنقل في فارس وبلاد العرب ووصل إلي شرق أفريقيا, وقام بعد ذلك بزيارة القرم وحوض الفواغا الأدنى ودخل القسطنطينية فاحتفي به ملكها قسطنطين الرابع (1344 ـ1363) واتجه بعدها شرقا الي خوارزم وبخاري وتركستان وأفغانستان والهند,
وهناك خدم لدي ملك دلهي ثماني سنوات... وتعرف إلي جزر الملديف وبعض جزر الهند الشرقية والصين, وأخيرا عاد إلي طنجة .
وبعد هذه الرحلة الطويلة (725/ ـ1325/750ـ1349) قام برحلتين قصيرتين نسبيا:
الأولي في الأندلس في حدود سنة1350/751
والثانية إلي السودان العربي ودامت نحو سنتين : بدأها سنة 1352/752 وفي هذه الرحلة وصل الي تمبكتو, وأبحر في نهر النيجر وعاد إلي فارس بطريق الصحراء الكبري, وقد قدرت المسافة التي قطعها ابن بطوطة في أسفاره بنحو 120.000 كيلو متر, ولأول مرة يجرب رحالة ألا يقطع طريقا مرتين, حيث نجح في ذلك إلا فيما ندر.
و لا يعرف تاريخ الرحلات من اجتاز مثل هذه المسافة قبل العصور الحديثة مما حدا بالمؤرخين أن يعتبروا ابن بطوطة رحالة محترفا.
ولد أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن إبراهيم الطنجي في مدينة طنجة في يوم الاثنين السابع عشر من شهر رجب سنة 703 هجرية الرابع والعشرين من فبراير سنة 1304 ميلادية لأب من أوساط الناس.
أما ابن بطوطة فهو الاسم الذي اشتهر به وعند العامة ابن بطبوطة, وتنتشر قبيلته البربرية بدءا من طنجة بالمغرب حتي ليبيا.. إلا أن مهارته في الأسفارلا تتوافق مع قدرته في الكتابة..... من هنا اعتمد علي سرد رحلته شفهيا و ما صادفه من عجائب الأسفار للبلدان التي مر بها وزارها علي كاتبه محمد بن جزي الكلبي وهو عربي ويرجح أنه فلسطيني الأصل هاجر إلي غرناطة, وابن بطوطة كان فقيها عالما, جري علي تقليد أسرته التي عرفت بأشتغالها بالعلوم الشرعية, وقد عرف الحاج له فضله فقدموه قاضيا عليهم وهم بعد في تونس في طريقهم إلي مصر.. وقد ولي القضاء في جزائر ملديف أيضا.
لم يكن ابن بطوطة جغرافيا
لم يكن ابن بطوطة جغرافيا.. فهو لم يهتم بالأقطار إلا قليلا, وحتي المدن جاء وصفه لها باعتبار ما يقطنها من الناس, الذين كانوا موضع اهتمامه, ولذلك فهو يفيدنا في التاريخ والاجتماع أكثر مما يفيدنا في الجغرافيا وجاء ترتيب أسفاره غير واضح, يعزيه المؤرخون لسببين:
أولهما انه أملى أخباره بعد مدة طويلة من انتهاء أسفاره وكان قد فقد أوراقه, وأما الثاني فهو أن الرجل لم يكن يعنيه المكان حتي ينتبه له بشكل خاص،
فقد كان المهم عنده ما انطبع في ذهنه من أثر لمن يقيم في مكان ما.. أكثر من اهتمامه بالصفة الطبيعية للمكان نفسه.
وقد بدأ ابن بطوطة رحلته إلي المشرق في رجب 1325/725 بعد أن كان قد تفقه في علوم عصره الشرعية, متأثرا في ذلك بأسرته وبلده.
ومن الأشياء المثيرة للاهتمام أنه استفاض في وصف مصر بدءا من الإسكندرية ودمياط والقاهرة والصالحية وطريق البحر الأحمر واستطرد أيضا في وصف مصر العليا والصعيد: إسنا وأرمنت والأقصر وقوص وقنا وأخميم وأسيوط ومنفلوط وملوي والأشمونين والمنيا والبهنسة وبوش والعياط.